جدّتي الشرّيرة وأبي الجنون
كم كانت جدّتي شمس قاسية القلب والملامح. ولو ضَحِكَت قليلًا أو حتى ابتسمَت، لبانَت جميلة ولو بعض الشيء. ولكنّ ثروتها وقدرتها على إدارة الأملاك عَمِلَت منها إنسانة صلبة ومتعجرفة. كانت طبعًا محطّ آمال الشبّان، ولأنّها لم تكن ساذجة إختارَت أقلّهم دهاءً ووسامة. تأكّدَت هكذا أنّ جديّ لن يقف بوجه تسلطّها ولن يجرؤ على خيانتها. إختارَته كما اختارَت كلّ الذين أحاطوا بها لتبقى الآمرة الناهية وتتحكّم بحياتهم كما تشاء.
قد يخال البعض أنّني أبالغ بوصفي لجدّتي، ولكنّ الأحداث التي سأرويها ستثبت لكم أنّ تلك المرأة لم تكن لتقبل أبدًا أن يقف أحد بوجهها أو أن يؤثّر على قراراتها أو مخطّطاتها.
وُلِدَ أبي وبقيَ وحيدًا، لأنّ شمس لم تكن تريد سواه لتجعل منه صورة عنها وتتمكّن مِن ادارة حياته كما يحلو لها. أمّا جدّي، وكما أشَرتُ سابقًا، فلم يكن له رأي بشيء، وأظنّ أنّها تزوّجته فقط لإسكات الناس ولِتنجب منه خلفًا لها.
وكبرَ أبي بعيدًا عن الناس، يقضي وقته مع أمّه على الحصان يجولان في الأراضي ويتأكّدا مِن أنّ الفلاّحين يقومون بأعمالهم كما يجب لِتكبر ثروة العائلة، فشمس كانت قد فهمَت أنّ النفوذ يأتي مِن المال.
ولم ترسل شمس إبنها لتحصيل العلم، بل أتَت له بمدرّس خاص خوفًا مِن أن يختلط بأولاد آخرين ويتأثّر بهم. حَرَمته أيضًا مِن الجلوس مطوّلًا مع أبيه، كي لا يأخذ منه طباعه الضعيفة، وعلّمَته أن يكون قاسيًا مثلها وأن ينظر إلى الناس نظرة فوقيّة.
ومرَّت السّنون، ولكنّ شمس لم تتوقّع أن ولدها الوحيد كان مصابًا بمرض أثّر على أعصابه وجعَلَ منه إنسانًا متوتّرًا في البدء ومِن ثمّ شبه مجنون. ولأنّها كانت ترفض أن تكون قد صنعَت كائنًا غير كامل، بقيَت تتجاهل جميع المؤشّرات، وتصرّفَت وكأنّ شيئًا لم يكن. هل كان لأبي فرصة ليتحسّن لو أخذَته إلى طبيب؟ لن أعرف الجواب يومًا لأنّ نوع مرضه بقي مجهولًا بِغياب أيّ تشخيص.
وأصبحَت شمس تكره الناس والأشياء أكثر مِن أيّ وقت، وكأنّ العالم بأسره مسؤول عن حالة إبنها، فطَرَدَت زوجها بحجّة أنّه يسرق مالها. وبالطبع لم يكن ذلك صحيحاً، لأنّ الرجل لم يكن يملك الذكاء أو الشجاعة الكافيَتين لذلك.
أظنّ أنّها كانت تريد البقاء لوحدها مع أبي، كي لا يعلم أحد أنّه يسير ولو ببطء على طريق الجنون. والطريقة الوحيدة لأنّ تجعل شمس مِن إبنها إنسانًا طبيعيًّا، كانت أن تجد له عروسًا ويُنجب منها ولدًا أو بنتًا. وبدأَت جدّتي بالبحث عن الفتاة التي ستتمكّن مِن العيش مع إبنها ولو لفترة الحمل والإنجاب. وبسبب ثرائها وإسمها المعروف لم يكن ذلك صعبًا، فالكلّ كان يتمنّى أن يُزوّج إبنته لوريث الستّ شمس.
[/vc_wq_text]
You must be logged in to post a comment.